رحلة تطور المصانع المصرية من الماضي إلى الحاضر، وما هي الخطوة المستقبلية؟
- Polaris Parks
- 5 مارس
- 7 دقائق قراءة
تاريخ التحديث: 24 مارس

تبدأ قصة الإرث الصناعي لمصر بصناعة القطن المصري التاريخي؛ في عام ١٨١٩عندما غيّر المهندس الفرنسي لويس أليكسيس جوميل خريطة الزراعة المصرية، وقدم نوعًا فريدًا من القطن الذي اكتسب شهرة عالمية في وقت قياسي. حيث كانت النتائج مذهلة فبعد أن كانت إنتاجية القطن لا تتجاوز ثلاث بالات في عام ١٨٢٠، قفزت إلى ١٥٠٠ طن بحلول عام ١٨٢٢ ووصلت إلى ١٠ آلاف طن في عام ١٨٢٣ فقط.
لم تكن رحلة الصناعة المصرية سهلة لقد واجه قطاع التصنيع المصري في بداياته تحديات كبيرة، حيث سيطر القطن طويل التيلة على الاقتصاد المصري من عام ١٨٥٠ وحتى ١٩٣٠، برغم فرض القيود الجمركية البريطانية قيودًا شديدة على عملية التصنيع. لكن لحظة التحول الكبرى جاءت في ١٦ فبراير ١٩٣٠، عندما استعادت مصر السيطرة على سياستها الجمركية، وبدأت رحلتها الحقيقية نحو التصنيع.
أما بين عامي ١٩٥٠ و٢٠٠٠، شهد القطاع الصناعي تحولات جذرية ففي بداية الستينيات تم تأميم المصانع الكبرى. ثم في عام ١٩٦٤ ساهم الاتفاق التجاري مع الاتحاد السوفيتي بشكل كبير في تعزيز صناعات الحديد والصلب، مما أدى إلى توسيع مجمعات حلوان الصناعية ودفع عجلة التطور الصناعي في مصر.
لكن القصة لم تنتهِ هنا. ففي سبعينيات القرن الماضي، أطلق الرئيس الراحل أنور السادات سياسة "الانفتاح الاقتصادي"، ليفتح الباب أمام الاستثمارات الخاصة وتخفيف القيود الحكومية. ثم جاءت فترة التسعينيات، بإصلاحات كبرى ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي، الذي أدى إلى خفض العجز المالي وتحرير التجارة وخصخصة الشركات الحكومية ليرسم ملامح اقتصاد جديد.
من خلال هذه الرحلة الملهمة التي امتدت لعقود، نرى كيف تحولت مصر من الاعتماد الكبير على القطن إلى بناء قاعدة صناعية قوية، لتصبح اليوم على أعتاب مستقبل صناعي واعد ومشرق.
مستقبل الصناعة المصرية يلمع في الأفق، فهل سنكون على موعد مع نهضة صناعية؟
شهد قطاع التصنيع في مصر تحولًا ملحوظًا على مدى العقد الماضي. وقد وضعت هذه التطورات الصناعية مصر كأحد المراكز الصناعية الرائدة في أفريقيا، حيث تساهم بأكثر من ١٥٪ من إجمالي الناتج المحلي، ويعكس هذا النمو طموحات كبيرة لمستقبل اقتصادي واعد ومليء بالفرص.
في عام 2024، حددت الحكومة المصرية هدفًا لزيادة حصة القطاع الصناعي من الناتج المحلي الإجمالي من ١٦% إلى ٢٠%. وقد أوضح كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل ، استراتيجية من سبعة محاور تركز على تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتلبية طلب السوق المحلي، وتعزيز الإنتاج المحلي من خلال دعم الشركات المصنعة المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
كما تشهد مصر طفرة كبيرة في قطاعات صناعية متنوعة، بدءً من مصانع النسيج التي تنتج منتجات ذات جودة عالمية استطاعت المنافسة في الأسواق الدولية بقوة، وصولًا إلى مصانع الأدوية التي تنتج علاجات أساسية. علاوة على ذلك الدور الذي تلعبه صناعات الصلب والأسمنت والسيراميك كركيزة أساسية في النمو الاقتصادي بفضل استثماراتها المتزايدة. وعلى الجانب الأخر نرى أن مصانع الزجاج والملابس تجذب رؤوس الأموال الأجنبية بشكل ملحوظ، لذلك نؤكد أن كل هذه المؤشرات القوية تُبشر ببداية عصر ذهبي للصناعة المصرية.
ولكن بالرغم من كل هذه الإنجازات، مازال يواجه القطاع الصناعي المصري بعض التحديات، أبرزها تطوير القوى العاملة والقدرة التنافسية الدولية وتحسين البنية التحتية وغيرها. ومع ذلك، فإن الفرص المتاحة واعدة للغاية فبفضل الاستثمارات المتزايدة والسياسات الحكومية الداعمة والتحول الرقمي، يمكن لمصر أن تحقق قفزات نوعية في مجال التصنيع وتصبح قوة صناعية إقليمية وعالمية.
مصر تُعزز مكانتها كقوة صناعية كبرى في قلب إفريقيا والشرق الأوسط
حققت مصر إنجازات كبيرة في مجال التنمية الصناعية بفضل موقعها الاستراتيجي الفريد كجسر يربط بين ثلاث قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا)، مما منحها الفرصة أن تكون مركزًا صناعيًا إقليميًا واعدًا. فمن خلال جهود حثيثة لتعزيز البنية التحتية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، استطاعت مصر أن توفر فرص عمل لأكثر من ٣.٥ مليون شخص في جميع الوظائف، ومن المقرر رفع هذا العدد إلى ٧ ملايين بحلول عام ٢٠٣٠. هذا النمو يعكس الرؤية الواضحة للدولة في جعل الصناعة محركًا رئيسيًا للاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.
تحقيق تنوع صناعي غير مسبوق
يتميز النظام الصناعي المصري بتنوع كبير، حيث تساهم القطاعات الرئيسية التالية في قيادة هذا التطور الصناعي السريع:
قطاع صناعة الأغذية: الذي جعل مصر منافسًا قويًا في الأسواق المحلية والدولية.
قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة: الذي جعل مصر من أبرز اللاعبين بين أكبر ٦٠ دولة مُصدرة للمنسوجات والملابس الجاهزة في العالم.
قطاع الكيماويات والصناعات الدوائية: حيث يُعتبر هذان القطاعان أحد الركائز الأساسية للاقتصاد المصري بفضل التزام الشركات العاملة فيه بالجودة والابتكار وتلبية متطلبات الأسواق العالمية.
قطاع التشييد والبناء: الذي أعطى مصر قدرات تنافسية كبيرة في صناعة مواد البناء، التي ساعدت في دعم المشاريع العملاقة وتلبية الطلب المتزايد على البنية التحتية في المنطقة.
قطاع السيارات: الذي أعطى مصر قدرات تنافسية من خلال التعاونيات الدولية الناجحة وجذب الاستثمارات العالمية.
قفزات هائلة في القدرة الإنتاجية تؤكد أن الصناعة المصرية على أعتاب تحول استراتيجي
كشفت البيانات الحكومية عن أهداف طموحة لزيادة الإنتاج الصناعي في مصر، حيث من المتوقع أن يرتفع من ٣.٦ تريليون جنيه مصري في العام المالي ٢٠٢٢ - ٢٠٢٣ إلى ٤.٣ تريليون جنيه مصري في ٢٠٢٣ - ٢٠٢٤، بمعدل نمو مذهل يصل إلى ١٩%. ويُعد القطاع الصناعي مساهمًا رئيسيًا في الصادرات غير النفطية بنسبة ٨٥%، مما يعكس دوره المحوري في تعزيز الاقتصاد الوطني.
وفي سياق متصل، تشهد التكنولوجيا توسعًا سريعًا في مصر، حيث تستضيف البلاد ١٩.٨% من إجمالي شركات التكنولوجيا الناشئة النشطة في إفريقيا. كما يحتل قطاع التجارة الإلكترونية الصدارة كأكبر مُوظف في قطاع التكنولوجيا، حيث وفر ٢,٧١٨ وظيفة، يليه قطاع التكنولوجيا المالية الذي وفر ٢,٠٣٧ وظيفة.
كل هذه المؤشرات القوية تؤكد تميز النظام الصناعي المصري ومدى قدرته التنافسية العالية، مما يعزز مكانة مصر كواحدة
من أبرز الوجهات الاستثمارية الواعدة على خريطة الصناعة العالمية.
هل سنكون على موعد مع أيدي عاملة مصرية أكثر كفاءة وقدرة على مواجهة تحديات المستقبل؟
في عالم يتطور بسرعة البرق، تتطلب الصناعات الحديثة مهارات جديدة وتطوير مستمر للأيدي العاملة لمواكبة التطورات التكنولوجية. لذلك نحن نؤمن بإن الاستثمار في تطوير المهارات هو استثمار في مستقبل الوطن، حيث سيمكننا من بناء اقتصاد قائم على العلم والمعرفة والابتكار.
برامج التدريب التقني: جسر العبور إلى المستقبل
بما أن تطوير المهارات أصبح جسر يعبر به العمال المصريون نحو مستقبل أكثر إشراقًا، ظهرت برامج تدريبية مبتكرة في جميع أنحاء مصر تُعيد تشكيل مستقبل القوى العاملة. يأتي في مقدمتها برنامج SITRAIN كأحد أبرز الأمثلة ضمن المبادرة الشاملة التي أطلقتها "سيمنس إنرجي"، والتي تجمع بين التعلم عبر الإنترنت والتواجد المباشر على مدار ثلاثة أشهر. كما يغطي البرنامج مجالات حيوية مثل الهيدروليك والبنيوماتيك والطاقة واللحام وأنظمة التحكم الرقمي (CNC) وأنظمة التحكم المنطقي القابلة للبرمجة (PLC).
ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد؛ فقد أطلقت مبادرة عمل أفضل/مصر Better Work Egypt برنامجها المتخصص المدرب التقني المحترف (MTM5) والذي يستهدف ٦٠ مصنعًا، ويركز على تعزيز التعاون في مكان العمل وإدارة الموارد البشرية والسلامة المهنية.
المستقبل يبدأ اليوم، والمهارات هي مفتاح النجاح
تُظهر تحليلاتنا أن احتياجات الأيدي العاملة المستقبلية تتطور بسرعة كبيرة. ففي قطاع التصنيع، لم تعد المهارات التقليدية كافية؛ بل أصبحت هناك حاجة ماسة إلى عمالة تتمتع بمهارات متقدمة، مثل:
● تحليل البيانات وتطوير البرمجيات لتحويل البيانات إلى قرارات ذكية.
● أنظمة الأتمتة والروبوتات لإدارة العمليات الصناعية بكفاءة أعلى.
● التفكير النقدي وحل المشكلات لمواجهة التحديات بطرق إبداعية.
● دمج التكنولوجيا الرقمية لتعزيز الإنتاجية والابتكار.
وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة أن الشركات المصدرة تتفوق في الإنتاجية بنسبة ٦١% مقارنة بالشركات غير المصدرة، مما يؤكد بشكل قاطع الأهمية الحيوية للتدريب على المهارات المتقدمة. وتبرز فجوة المهارات بشكل خاص في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، حيث يشهد الطلب على الكفاءات التقنية ارتفاعًا ملحوظًا. والأمر الذي يبعث على التفاؤل هو أن الشركات المشاركة في التجارة الدولية تُظهر تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات سوق العمل، خاصة فيما يتعلق بتمكين المرأة، حيث تصل نسبة مشاركة النساء في الشركات المصدرة إلى ٢.٤% أعلى من نظيراتها غير المصدرة.
لذلك نرى أنه أصبح من الضروري للتغلب على هذه التحديات اتباع نهج منظم لتحديد المهارات المستقبلية الأكثر طلبًا وتنميتها. والبدء الفوري في التعاون بين ممثلي قطاع الطاقة ومؤسسات التعليم الفني ومقدمي التعليم العالي لضمان تحقيق النتائج المرجوة.
ما بين الفرص والتحديات الصناعة المصرية تخطو نحو العالمية
من خلال تقييم أداء مصر في التجارة الدولية، نلاحظ تطورًا كبيرًا في قدرة القطاع الصناعي على المنافسة عالميًا. كما يكشف تحليلنا للوضع قصة نجاح مليئة بالتحولات والفرص الواعدة، التي تعكس قوة الصناعة المصرية وتألقها على الساحة الدولية. وقد تم تقييم الأداء من خلال التالي:
أداء سوق الصادرات
بكل فخر استطاعت الصادرات السلعية المصرية تحقيق نموًا قويًا ومستمرًا؛ حيث وصلت قيمتها إلى ١٢.٩١٢ مليار دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام ٢٠٢٤ بحسب بيان صادر عن وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، مسجلة زيادة بنسبة ١٠% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ومن أهم القطاعات التصديرية التي شكلت هيكل الصادرات السلعية المصرية:
قطاع مواد البناء الذي حقق صادرات بقيمة ٢.٨٧٦ مليار دولار.
قطاع الصناعات الغذائية الذي بلغت صادراته ٢.١٠٢ مليار دولار.
قطاع المنتجات الكيماوية والأسمدة الذي سجل صادرات بقيمة ١.٩٧٦ مليار دولار.
إتباع معايير الجودة والحصول على الشهادات لضمان التميز والمنافسة
في رحلة مصر نحو تعزيز مكانتها الصناعية، تم إنشاء أنظمة قوية لضمان الجودة من خلال الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة (EOS)، التي تُعد السلطة الوطنية المسؤولة عن إصدار شهادات الجودة. يهدف نظام EOS إلى تعزيز تنافسية المنتجات المصرية كجزء من رؤية أكبر لبناء ثقة عالمية في المنتجات المصرية، وفتح أبواب جديدة للتصدير.
كما نولي اهتمامًا خاصًا لتوافر هذه العوامل في كافة المنتجات
ضمان مطابقة المنتجات للمواصفات المصرية.
تسهيل الوصول إلى الأسواق من خلال شهادات الجودة.
التحسين المستمر لبناء ثقة العملاء.
مستقبل المصانع المصرية بين الفرص والتحديات
في تحليلنا لمستقبل المصانع المصرية، نرى أننا نعيش لحظة فارقة تتسم بتحديات كبيرة وفرص استثنائية، ومرحلة تحول تاريخية مدعومة بدعم حكومي كبير وإمكانات استثمارية هائلة.
مصر تتصدر إفريقيا في استثمارات البنية التحتية
تعزز مصر مكانتها كقوة اقتصادية رائدة في إفريقيا بمشاريع جارية تبلغ قيمتها ٤.١٤٢ تريليون جنيه مصري. حيث وصل إجمالي المشاريع الحكومية إلى ٩.١١٢ تريليون جنيه مصري، متقدمة بفارق كبير على جنوب إفريقيا. والجانب المشرق في ذلك أن أكثر من ٩٠% من هذه المشاريع تسير وفقًا للجداول الزمنية المحددة، مما يعكس التزامًا قويًا بالتنفيذ في الوقت المحدد.
الطريق إلى الساحة العالمية
بهذا الصدد نحن متفائلون بمسار نمونا الاقتصادي، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي (IMF) أن يصل الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى حوالي ٢٦,٣٠٠ مليار جنيه مصري بحلول عام ٢٠٢٩، مما يعزز مكانتها كأكبر اقتصاد في إفريقيا. لذلك تدعم استراتيجيتنا للتوسع في الأسواق عدة عوامل رئيسية مثل:
- وضع تركيزنا على المدن الصناعية الذكية التي حققت بالفعل نتائج ملموسة، حيث يستثمر المطورون بشكل كبير في بنية تحتية متطورة. كما نحظى بدعم كبير من المبادرات مثل برنامج الإصلاح الهيكلي الوطني (NSRP 2021-2024)، الذي يهدف إلى تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الشمول المالي.
- تعزيز قطاع التصنيع لدينا، للاستفادة من المزايا الاستراتيجية لمصر التي يأتي على رأسها تعداد سكاني يقارب ١٠٠ مليون نسمة. بالإضافة إلى إمكانية الوصول الممتازة إلى الأسواق الخارجية الهامة، الذي يتحقق من خلال مبادرات متنوعة: مثل تطوير المدن الصناعية والمناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة (SEZs) المصممة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز الصادرات.
Comments